الوضع الحكومي الحالي ومسارات التحول‏

الوضع الحكومي الحالي ومسارات التحول‏

 

كتب: رشيد الهنداز

ما يزال وضع  الحكومة الحالية في المغرب يخضع لتوازن الضعف بين الاحزاب، وتوازن المعارضة وتكتلها لمواجهة الحزب القوي في الساحة ومن معه من متعاطفين لدرجة يكاد يوصف بالتوازن بين الديمقراطيين والأصوليين وكذا النقابات المتنافسة مع بعضها في مواجهة الأحزاب وتقوية هيئات المجتمع المدني الذي يميل إلى التعاون ودمقرطة النقاش العمومي والخدمة العمومية والصالح العام.

   وعليه توجد الحكومة الحالية في وضعية غير مريحة وتنقصها المرونة المفقودة إديولوجيا وليس واقعيا بسبب نزعة الهيمنة والزعامة التي تخيم على العقليات الحزبية والمرتبطة بثقة الناخبين الذين لم يمكنوا أي حزب بالتأييد الكافي لاحتلال مركز الهيمنة  المطلقة وتشكيل الحكومة دون اللجوء إلى التحالف، فتبقى إمكانية خلق تحالفات راهنة ممكنة وفي نفس الوقت صعبة لكون الأحزاب سواء التي توجد في الحكومة أو التي توجد في المعارضة بما فيها المنسجمة مع حزب رئيس الحكومة تخشى أن تتورط في تشكيلة حكومية يكون الرابح فيها هو حزب العدالة والتنمية بينما المغرب والمغاربة هم الخاسرون من تعطيل تشكيل الحكومة بعد انسحاب حزب الاستقلال، وهذا يزيد من ضعف شرعية الأحزاب ويجر الحديث عن التفكير في العودة إلى التحالفات القديمة (الكتلة)، وعن النخب والفئات التي تكون ضغطا وتفرض أفكارها السياسية سواء من داخل النسق السياسي أو خارجه، كما يجر الحديث أيضا عن الشخصانية في الحكم لكون بعض التيارات السياسية لا ترغب في التعاون مع شخص  بسبب بعض التصريحات وليس الحزب… إلخ. وأيضا الحديث عن مآل الدولة الحديثة التي أصبحت تسمى الدولة الرخوة… ومكان الفرد المتقدم في السياق العام من خلال دستور المواطن الجديد .

   كما أن مسألة تجديد الأفكار السياسية ينبغي أن تطال كل الأحزاب، بتقديم ما يكفي من التنازلات ومنح  الأولوية للمؤسسات على حساب  الأشخاص  والأحزاب لتصحيح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا يفترض السياسة المواطنة للخروج من صعوبات المرحلة، ولا سيما أن أهداف الانتخابات بعيدة عن الوضع الحكومي الحالي المتأزم، خصوصا وأن الأحزاب لا يمكنها إقناع المواطنين بجدوى الاستمرار في الفراغ أكثر مما هو مقبول وواقعي، ذلك أن الدور التشريعي والتنفيذي للدولة يضعف في غياب أداء مؤسستي الحكومة والبرلمان لما هو موكول إليهما دستوريا حيث التوازن والتعاون بينهما دخل مرحلة صعبة، ولا يمكن للملك أن يحل محل السلطتين التنفيذية والتشريعية بصفة مطلقة كما أن الظرفية لا تقبل الفراغ في مؤسسات الدولة لا سيما وأن هناك بنى ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ضاغطة ودولية متغيرة، وظهور مناضلين جدد في صفوف المثقفين والطبقة الوسطى والمتعلمة متعطشة للمشاركة في تدبير الشأن العام وتتوخى البحث عن شرعية جديدة بضمانات جديدة. وعليه فإن تسوية الممارسة السياسية ضرورية وبشتى الطرق لأن المطالب الملحة في الميدان الاجتماعي وميدان حقوق الانسان والسياسات العامة وانتظارات المواطنين في ازدياد ويمكن للحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران في إطار التناوب أن تستمر إلا أن الاستمرار يتوقف على قدر معين من المرونة دون الضغط على حزبه بشتى الوسائل السياسية والدستورية لإجباره على التخلي عن السلطة وتقديم استقالته والعودة إلى انتخابات مبكرة حيث التكاليف ستكون متنوعة وباهظة وضارة، ويبقى التحالف الجديد متوقف على  مدى اقتناع حزب التجمع الوطني للأحرار المعروف بمرونة  مذهبه وكذا بعض الاحزاب الصغيرة، ومراعات المصالح العليا للوطن والمواطنين في النقاش الذي سيجرى بين مكونات الحكومة الثانية بعد دستور 2011.

   إن الحفاظ على خط الديموقراطية مهم، وتجنب التكتلات المصلحية التي تخلت عن المغرب العميق واكتفت بنسج علاقات مصلحية للحفاظ على نفوذها دون الاكتراث بما يجري حولها من تغيرات وإكراهات، كما أن التحكيم الملكي يتطلب تخفيف درجة التوتر بين الأحزاب للحيلولة دون إنزاله لمستوى أقل من هذا الذي نعيشه ، والحفاظ على الخدمات  وسير المؤسسات باعتبار الملك زعيما وطنيا إديولوجيته ملكية وحزبه المغرب وبرنامجه هو الشعب المغربي والرعايا في كل بقاع العالم، والأحزاب مطالبة بتعميق فهمها للسياق العام وتجنب إحراج الملك في المهام الموكولة إليه بصريح النصوص القانونية ذلك أن البراكماتية السياسية هي ميزة النظام السياسي المغربي حيث الأولويات الوطنية أقوى من إديولوجية الأحزاب كما يسير على ذلك ملك البلاد.

   ففي دول التعددية الحزبية ومنها المغرب، طبيعي أن تؤول الأوضاع السياسية إلى التعايش والتساكن بين الأحزاب والتوافق على مستوى ممارسة الحكم وهذا مرده إلى طبيعة الاقتراع المتبع في المغرب حيث يساهم الانتخاب بالتمثيل النسبي في تشجيع التعددية الحزبية وإيصال الأحزاب الصغرى إلى البرلمان، وفي ظل التحالف تشارك في ممارسة السلطة على مستوى الحكومة، وهذا النمط من الاقتراع لا يفرز أغلبية قوية، ووفقا لأسلوب أكبر بقية، يترتب عنه عدم الاستقرار البرلماني، ومنه عدم استقرار التحالفات الحكومية.
    ورغم إيجابيات هذا النمط الانتخابي لأنه ينصف جميع الأحزاب والتيارات السياسية لكنه يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي… الذي ينبغي التغلب عليه وعدم الانصياع له بالبحث عن الأغلبية البرلمانية ومنها حكومة مبلقنة، أو تغيير نمط الاقتراع السابق بنمط الاقتراع الأغلبي وهو الذي يقصي الأحزاب الصغرى من البرلمان لكنه ينتج أغلبيات برلمانية واسعة ومستقرة دون إنصاف كل الأحزاب، والاقتراع الأغلبي في دورتين يشجع جميع الأحزاب على قياس تمثيليتها قبل إجراء الائتلاف فيما بين بعضها وتخلي البعض الآخر يؤدي إلى خلق أغلبية حكومية منذ الدورات الأولى، كما يساعد على إفراز الثنائية الحزبية أو اختزال التعددية في قطبين.

   وتشكيل حكومة جديدة  مشروط بوجود تقارب من حيث البرامج السياسية والإديولوجية لوضع برنامج موحد من أجل ممارسة الحكم  لهذا فطبيعي أن يكون وضع الحكومة الحالية متذبذب نظرا لطبيعة الاقتراع المتبع في المغرب، لكن ليس من الطبيعي استمرار الوضع دون حكومة رسمية لفترة غير مقبولة والاكتفاء بحكومة تصريف الأعمال لأن الديمقراطية تجدد تلقائيا.  

   هذا ويعتبر الدخول السياسي لهذه السنة 2013/2014، محكا حقيقيا لتحديد الانتظارات وتوطين برنامج حكومي جديد يراعي تحديات الاصلاح، وتجسيد الاشارات الملكية، وتجديد آليات التأقلم مع السياسات العامة الداخلية والخارجية بالمراهنة على برنامج حكومي تواق، واحترام الالتزامات والتقدم في ورش التنمية البشرية وفي مقدمتها إصلاح التعليم واستكمال إصدار القوانين التنظيمية وورش الجهوية …والمغرب القروي الذي ما تزال مجالسه المنتخبة تعاني سياسة شد الحبل بلا هوادة، ومصالح المواطنين مغيبة بسبب صراعات شخصية باسم السياسة ومعادلة الأغلبية والمعارضة البعيدة عن روح المواطنة الحقة وعن المراقبة الرسمية لما يجري داخل هذه المجالس وما لحق حقوق المواطنين من أضرار ومن تعطيل للمصالح العامة.

بقلم  

رشيد الهنداز

 

مشاركة المقالة
اترك تعليقاً