بقلم د.الشريف الرطيطبي
لا نتمكن من معرفة حقيقة العديد من الناس إلا بعد التعرف عليهم عن قرب. ويبقى محمد العمراني واحدا ممن ينطبق عليهم هذا القول. وذلك باعتباره من الوجوه الوزانية التي عرفت بامتلاك الثروة والوجاهة من جهة، وحياة الكفاف والتواضع والبساطة من جهة ثانية.
وبعد تعرفي على هذا الرجل عن قرب علمت أنه من مواليد مدشر “بوناهيض” بجماعة بني كلة، ينحدر من أسرة الشرفاء العمرانيين بقبيلة بني مسارة. كان في مرحلة شبابه من رجال المقاومة الوطنية، فعرف تجربة السجن ، كما أنه كان مؤسسا ورئيسا لفرع”منظمة الكشفية الحسنية” بدار الضمانة، وانتخب برلمانيا باسم” حزب الاستقلال” عن دائرة وزان سنة 1963. وهو يعتبر بذلك رجلا عصاميا ،إذ أنه عاش حالة اليتم في سن مبكرة بوفاة والدته، وكان حظه من الدراسة ما تعلمه على يد والده في “المسيد”.
كانت معرفتي بهذا الرجل لا تتعدى كونه يمتلك أول وأكبر مكتبة بدار الضمانة بجوار قوس” باب الجموعة” في السبعينيات، حيث كان تلاميذ وزان يقتنون لوازم الدخول المدرسي . وكان يشتغل معه كل من السيدين” المامون” و”احسينو”. هذا الأخير كان هو أول موزع لجريدة العلم بوزان بصفتها لسان حال حزب الاستقلال. وعلمت حينئذ أن “الوارث” يعد من “كبار الأثرياء بالبلد” رغم أنه يعيش حياة بسيطة سمتها الكفاف.
وكان تعرفي على هذا الرجل عن قرب من خلال العمل السياسي والجمعوي. فهو كان يعد من “حكماء حزب الاستقلال” بوزان، رغم أنه لم يترشح لمجلسها البلدي بعد تجربة البرلمان، لكنه كان يؤمن بأهمية العمل السياسي وبدور الشباب في التغيير، انطلاقا من مرجعية “التعادلية الاقتصادية والاجتماعية”، ومن العمل الدؤوب من أجل الغذ الأفضل ،وهو الرجل الذي عرفته مفعما بالحركة والحيوية رغم كبر سنه، فضلا عن اتزانه وهدوء طبعه وتسامحه .
وقد بقي وفيا لذكرى رجال ونساء المقاومة بانخراطه في تكريم العديد منهم بوزان من خلال “جمعية وزان دار الضمانة” والمندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، وكانت آخر مباردة منه هي تنظيم ندوة- كنت ممن شاركوا فيها – في موضوع : مقاومة الزوايا وقبائل جبالة للتدخل الاستعماري. وهو إلى كل ذلك كان مولعا بالقراءة ،محبا للعلم والعلماء، وقد ساهم في نشر كتابين عن قبيلة بني مسارة بقلم الدكتور عبد السلام البكاري ، فأشاد به الأستاذ الإعلامي محمد العربي المساري في تصدير واحد منهما.
وقبل وفاته بوقت قصير تداولت معه في أمر تأسيس جريدة محلية ورقية تحت مسمى “صدى وزان” ، وقد بقي اسمها صدى وذكرى رجل كان طبعه البساطة رغم ثرائه، وإيمانه القوي بمبادئ حزب الاستقلال على عهد رجال الحركة الوطنية المغربية رغم تبدل الظروف والأحوال.