قبائل غمارة.. شذرات تاريخية

1 – الموطن والأصول:

يطلق إسم غمارة منذ القدم على حلف كبير من برابرة البرانس بالشمال المغربي، وهو من أشهر شعوب البربر وقبائلهم، يمت بصلة القربي إلى الأصل المصمودي في رأي عبد الرحمان بن خلدون.

وتتشكل مواطنهم حاليا من الجبال الغربية لبلاد الريف ومنحدراتها التي تشرف على البحر الأبيض المتوسط ما بين وادي لاو ووادي أورينكة. ونعتقد أن لفظة غمارة تستمد أصولها من “غمار بن مصمود” أو “غمار بن مصطاف”، أي الاسم الذي يحيل على الجد الأول للغماريين. بينما يرى مولاي التقي العلوي أن لفظة غمارة لها صلة رحم متينة وواضحة بكلمة “أغمور”، أو “تيغمرت” التي تؤدي معنى الزاوية أو الركن.

يرى ابن خلدون أن سكان غمارة هم بطن من بطون المصامدة من ولد غمار بن مسطاف بن مليل بن مصمود، ويذكر أن بعض العامة يقولون أنهم عرب غمروا في تلك البلاد فسموا غمارة، لكنه عقب على هذا الرأي بأنه مذهب عامي. وجاء في “نهاية الأرب” أن بني غمارة، هم بطن من مغمور من البرانس من البربر، وهم بنو غمار بن مسطح بن قليل بن مصمودة بن برنس بن بربر. وقيل أيضا أن غمارة بطن من بطون أصادن، وهي شقيقة مصفاوة وماغوس، وهم برابرة البرانس على رأي ابن خلدون. وذهب الطبري إلى أنهم من العمالقة، في حين يثبت ابن عبد البر أنهم من القبط. ولما قسم ابن خلدون البرابرة إلى بتر وبرانس، جعل غمارة من هذا الحلف الأخير، أي البرانس الذين ينتسبون إلى بني برنس بن سفجو بن أبزج بن جناح بن واليل بن شرط بن تام بن دويم بن دام بن مازيغ بن كنعان بن حام، وهذا هو الذي اعتمده نسابة البربر .

اختلفت حدود غمارة تاريخيا باختلاف الأزمان، فصاحب “المسالك والممالك” حدد موقع غمارة فيما بين منطقة نكور شرقا ومنطقة طنجة غربا. أما صاحب “نزهة المشتاق” الذي جاء بعد البكري، فقد جعل هذه الحدود تمتد إلى ما يقرب من قلعة بني تاودا التي عرفت فيما بعد باسم فاس البالي. في حين أشار ابن خلدون إلى حدود غمارة بقوله: “تمتد من عن يمين بسائط المغرب من لدن غساسة، فنكور، فبادس، فتجساس، فتطاوين، فسبتة، فالقصر إلى طنجة، خمس مراحل أو أزيد، أوطنوا فيها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض، سياجا بعد سياج خمس مراحل أخرى في العرض، إلى أن ينحط إلى بسائط قصر كتامة ووادي ورغة من بسائط المغرب”.

أما الحسن الوزان، فجعل مقاطعة الريف وغمارة مقاطعة واحدة، وقال في هذا الشأن: “وأما برابر غمارة فيسكنون جبال المغرب الشمالية المجاورة للبحر الأبيض المتوسط، وينتصبون بالساحل الذي يحمل اسم الريف ، والذي يمتد من البوغاز إلى تخوم مقاطعة تلمسان”.

ويستنتج من هذه النقول أن حدود الكتلة الغمارية كانت تتغير بحسب الظروف والأزمنة، وكانت تنضوي في إطارها قديما عدة قبائل انسلخت عنها، وأنه كلما تقدمنا في الزمن تقلص مجالها، لينحصر خلال الفترة المعاصرة في منطقة تمتد شرقا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط فيما بين وادي لاو شرق مدينة تطوان ووادي أورينكة غرب قبيلة متيوة البحر، وتنتهي في الجنوب إلى ما يقرب من مرتفعات شفشاون، وتضم قبائل احتفظت بغماريتها، وهي: متيوة وبني زيات وبني بوزرة وبني كرير وبني سميح وبني رزين وبني د وبني زجل وبني سلمان وبني منصور.

2 – وصول الفاتحين العرب إلى منطقة غمارة

عندما وصل الفاتحون العرب إلى منطقة غمارة، وجدوا الأمير أليان الغماري حاكما عليها وعلى سبتة وطنجة من قبل القوط بإسبانيا، وتذكر الروايات أن غمارة كانت تابعة للقوط وأن زعيمها أليان كان يدين بطاعتهم، وأن صلات الود والولاء كانت تربطه بـ “لذريق” ملك الأندلس. وقد عرفه العرب عند وصول موسى بن نصير إلى إقليم طنجة عام 89/ 707، وكان يقيم بمدينة طنحة قبل أن ينتقل إلى مدينة سبتة. وساعد أليان الغماري موسى بن نصير وطارق بن زياد إثر اتفاق وقع بينهم على عزو بلاد الأندلس، حيث مدهم بالمراكب والرجال. ولا يستبعد أن تكون قوة طارق بن زياد، تشكل معظمها من برابرة غمارة أتباع الأمير أليان، نظرا لقرب الغماريين من الأندلس، وبالتالي معرفتهمب المنطقة وخصوصياتها. بل هناك من يذهب إلى أبعد من هذا، وينسب الفاتح العظيم طارق بن زياد نفسه إلى غمارة ، وأن أليان أمير عمارة رافقه في حملته. ويظهر أن أليان أهدافه الانتقام من “الذريق” ملك القوط وإسبانيا الذي سبق أن العماري، كان من بين أهانه إهانة كبرى، فساند الفاتحين العرب واستمر متربعا على ا في بحر الزقاق بمنطقة المجار إلى الأندلس، في ظل مقتضيات الصلح والمسالمة مع العرب الفاتحين.

كما تذكر المصادر التاريخية أن علاقة قبائل عمارة بالإسلام ترجع إلى مرحلة الفتوحات الإسلامية الأولى ببلاد المغرب، حيث اعتنقت هذه القبائل الإسلام على يد صالح بن منصور الحميري جد سعيد بن إدريس مؤسس مدينة نكور. ومعلوم أنه في شرق اتحادية غمارة، أسس القائد العربي سعيد بن صالح الحميري إمارة بالنكور، عرفت بإمارة بني صالح. وقد تشكلت القاعدة القبيلية لهذه الإمارة حينئذ من صنهاجة وغمارة. وإن كانت قبائل غمارة استجابت لدعوة صالح بن منصور الحميري، فإنها ما لبثت أن ارتدت وانتفضت على سعيد بن إدريس عام 144/ 761، فخلعوه وولوا عليهم رجلا منهم اسمه مسكن. وكان سبب ارتدادهم، هو ثقل شرائع الإسلام عليهم). وقد تمكن سعيد بن إدريس من القضاء على ثورة غمارة، وفرق جماعتهم وقتل مقدمهم ، فلم يجد من بقي منهم بدا من الرجوع إلى الطاعة. وهكذا يظهر أن المحاولات الأولى لنشر الإسلام في قبائل غمارة، قد تمت قبل مجيء موسى بن نصير، لكن هذا الأخير وحسب رواية ابن خلدون، هو الذي حمل القبائل الغمارية على اعتناق الدعوة الإسلامية، واسترهن أبناءهم، وأنزل منهم عسكرا مع طارق بن زياد بطنجة.

هكذا تعربت قبائل غمارة وانتشر فيها الإسلام، بفضل البعثات العلمية المصاحبة للفتح الإسلامي، والتي تقاطرت على المنطقة، حيث كانت تقوم ببث الوعي وإرشاد الناس إلى الإسلام، وتوضيح ما فيه من معان شامية وأخلاق فاضلة. وفي شأن هذه البعثات، يقول مؤنس في كتابه “فجر الأندلس”: “وعهد موسى بن نصير إلى طارق بالعمل على نشر الإسلام فيما يجاور طنجة من برابر غمارة وبورغواطة”. وكان تعليم القرآن الكريم والفقه هما الانطلاقة الأولى لتثبيت الجهاز الديني في مناطق غمارة، فقد أناط طارق بن زياد لسبعة وعشرين فردا من العرب رسالة تلقين مبادئ الشريعة الإسلامية إلى الجيش البربري، ثم عزز ذلك عمر بن عبد العزيز بإرسال وفد إلى المغرب يتكون من عشرة أفراد لنفس الغاية. ولم يحدد المقري عدد البعثات الدينية، وإنما اكتفى بقوله : “ترك موسى عندهم خلقا يسيرا من العرب ليعلموا البربر القرآن وفرائض الإسلام”. ويذكر محمد الصغير الهبطي في فوائده عددا من الأسر القرشية التي وفدت على قبيلة بني زجل الغمارية، بل يذكر أنه قدم إلى هذه القبيلة وفد من التابعين والأنصار، والجل من ذرية الخلفاء الأربعة. بفضل هؤلاء العرب المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربية، فاتحين ناشرين للإسلام، صارت بلاد غمارة تحت رحمة المسلمين الذين أبدلوا المجوسية بالإسلام، وأصبحت جيوش العرب والبربر موحدة متآخية، وحدها الإسلام، فصارت معا لغزو الأندلس بعد تثبيت الحكم الإسلامي في شمال إفريقيا.

ورغم ميل الغماريين إلى الارتداد، عندما ثقلت عليهم أحكام شرائع الإسلام كما ذكر ذلك ابن خلدون، فإن الإسلام قد تغلغل في أوساطهم، وانتشرت اللغة العربية بين أبنائهم، بفضل بناء المساجد وانتشار الربط. ويذكر التاريخ أن أول مسجد عرفه المغرب بني في هذه المنطقة، هو مسجد البيضاء (مسجد الملائكة) بني حسان، ينسب إلى موسى بن نصير بقبيلة، ومسجد آخر بقبيلة الأخماس بمركز اشرافات ، بناه طارق بن زياد أيام ولاية يلصو بن عبد المالك بن أبان ابن عثمان على هذه الجهات أواخر القرن الأول الهجري. كما بني في أوائل الفتح الإسلامي بقبيلة بني زيات مسجد “تكطوشت”، الذي أخذ اسمه من امرأة صالحة. وهناك أيضا، مسجد رابع بناه محمد زجل بمدشر بومنار بقبيلة بني زجل في أواخر القرن الأول للهجرة.

العنوان: قبائل غمارة تاريخ وأعلام

المؤلف: بوعبيد التركي

منشورات باب الحكمة تطوان

الشاون بريس

يتبع…

مشاركة المقالة
اترك تعليقاً