وزان بريس
تعيش مدينة وزان على وقع فراغ مهني حاد في مجال الطب الشرعي، يُصعّب من عمل العدالة في الكشف عن أسباب الوفيات الغامضة، ويزيد من معاناة أسر الضحايا في لحظات فقدان قاسية، بسبب غياب مصلحة متخصصة في التشريح الطبي داخل الإقليم.
ورغم تعدد حالات الوفاة غير الطبيعية التي تستوجب فحصًا أو تشريحًا دقيقًا للجثث، فإن دار الضمانة تفتقر إلى بنية تحتية وخبرة طبية متخصصة قادرة على مواكبة القرارات القضائية، ما يجعل تحقيق العدالة رهينًا بنقل الجثامين إلى مدن مجاورة كطنجة وتطوان وشفشاون.
العدالة المعلّقة بغياب مشرط التشريح
في حالات الوفاة المفاجئة أو في ظروف غامضة، تبادر النيابة العامة المختصة إلى إصدار تعليمات بفتح تحقيق قضائي وإجراء تشريح طبي لتحديد الأسباب الحقيقية للوفاة. غير أن غياب مرفق الطب الشرعي محليًا يُعطّل هذه العملية، ويُثقل كاهل الأسر من الناحية المالية والنفسية، في وقت تكون فيه بحاجة إلى الطمأنينة وتكريم موتاها.
الطبيب الشرعي في مثل هذه الحالات، قد يكتفي بفحص خارجي للجثة، أو يتطلب الأمر تحاليل متقدمة تشمل البحث عن آثار عنف أو مواد سامة أو مخدرة، ما يعكس أهمية هذا التخصص في دعم العدالة.
مطالب بالترافع وتكوين طبيبة محلية
عبد الحليم علاوي، مستشار بجماعة وزان، عبّر عن أسفه لاستمرار هذا الوضع، واصفًا غياب مصلحة الطب الشرعي بـ”الإشكال البنيوي الذي يدفع المواطن الوزاني ثمنه”. واعتبر في تصريح لهسبريس أن هذا الغياب يُعدّ تقصيرًا في تفعيل اختصاصات الجماعة وباقي المتدخلين من سلطات صحية وقضائية.
واقترح علاوي تمكين الطبيبة حديثة التعيين بمصلحة حفظ الصحة من تكوين متخصص بمستشفى محمد السادس بطنجة، والتنسيق مع النيابة العامة من أجل انتدابها قانونيًا، كخطوة مرحلية لحل جزء من الإشكال، إلى حين إحداث مرفق دائم للتشريح الطبي.
ألم الموت يتجاوز الفقد
نور الدين عثمان، رئيس المكتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، شدد على أن معاناة سكان وزان لا تنتهي بالموت، بل تتفاقم في رحلة البحث عن تشريح طبي خارج الإقليم. واعتبر الأمر “مفارقة مؤلمة” تزيد من المعاناة النفسية والمادية للأسر، في انتظار نتائج التشريح وتأجيل مراسم الدفن.
أما عبد الصمد الدكالي، عضو الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، فرأى أن غياب هذه الخدمة يمس بكرامة المواطن، مضيفًا: “من غير المقبول أن يظل إقليم يزيد عدد سكانه عن 300 ألف نسمة دون مرفق أساسي وحيوي كهذا”.
واتهم الدكالي المنتخبين المحليين بالإخفاق في الترافع الجدي عن هذا المطلب، معتبرًا أن خطاباتهم تظل حبيسة المواسم الانتخابية، في وقت تتقدم فيه أقاليم أخرى بفضل دعم مركزي واهتمام إداري فعلي.
دعوات للتحرك العاجل
وسط هذه الانتقادات، تتعالى الأصوات المطالبة بعقد لقاء موسع يجمع السلطات المحلية وممثلي الجماعة ومنظومة العدالة والصحة، من أجل إيجاد حل عملي لهذا الفراغ الذي ينعكس سلبًا على حقوق الإنسان وكرامة الموتى.
إن غياب الطب الشرعي في إقليم وزان لم يعد مسألة تنظيم إداري فقط، بل أضحى قضية عدالة ومساواة، تحتاج إلى إرادة سياسية وتنسيق مؤسساتي عاجل، لإرساء الحق في الحقيقة، حتى بعد الموت.