الدكتور أحمد درداري… استخدام منطق العقل بلا أخلاق سبيل لتدمير المجتمع

انطلاقا من النقاش المجتمعي المحتدم بين المتمسكين بأحكام الدين الاسلامي والمتحررين المتمردين على ثوابته في عدة قضايا تمس بجوهر حياة المجتمع المغربي، يمكن معه القول إن كل قول يتوخى منه صاحبه ادعاء العلمية يجب عليه ان يكون منضبطا لقواعد منطقية، وإلا ستبقى معرفة عقلية بغير منطق تخضع له ويضبطها، ذلك أن المنطق لا يشتغل بترتيب قوانين العقل إلا بالقدر الذي يوظف الأخلاق عند ترتيب قواعد العمل والبناء والتشييد، عكس عملية الهدم فهي تحتاج إلى نزع الصلاحية عن البناء الموجود واستخدام أدوات الهدم المختلفة، والمجتمع مبني من الناحية المنطقية والعملية لكن الواقع غير المتطابق أحيانا لا يعني الذهاب باسم الاصلاح الى تغيير النصوص بغاية هدم الثوابت الدينية، بل الى اعادة وضع المنحرف على سكة المنطق بالأخلاق ، لكون أدنى مستوى إعمال العقل يكمن فقط في الممارسة العقلية المجردة من الأخلاق التي تعتمد عند تناول منطق الظواهر في توصيف الظاهرة، وهذا يتنافى مع المقاصد الكلية للدين و الغايات التكاملية لوجود الإنسان وفطرته، فتصبح معه فوضوية ومنحرفة، لافتقارها للموضوعية، وكلما اقترن الفعل العقلاني بالأخلاق سواء لجلب منفعة أو لدفع ضرر يصبح أعلى مراتب الفعل العقلاني، لكونه لا يتنافى مع مقاصد الشرع والقانون سواء الظاهرية منها أو الباطنية، ويعزز الانتماء الهوياتي ويحافظ على تناغم وانسجام النسق الاجتماعي و النسق الثقافي ونسق الشخصية، كما يتحقق معه إشباع النفع العام الذي تعكسه وظيفية التأطير للمؤسسات التربوية والتعليمية والتوعوية لوسائل الاعلام، أما اذا بقي العقل دائم التقلب، فان أبعاد الفعل تأتي بنتائج عكسية حتى بالنسبة لأتباع المتحررين.

إن منطق القيم المجتمعية قادر على دفع الضرر وجلب المنفعة لدى المناطقة التقليديين بطريقة مختلفة عن المتقدمين، بفارق النظر الى المحددات البيداغوجية المتبعة في تدريس منطق الفكر والقيم والمصلحة العامة في جميع مستويات التدريس بما فيها الأوساط الجامعية، الشيء الذي خلق الصراع بين قيم الأصالة وقيم الحداثة بناء على النظر الى دلالات المفاهيم وقواميس المبادئ والتمييز بين معانيها.

إن محاولة تغيير القوانين الملزمة، سيؤدي الى هدم معالم بنية المجتمع بإدخال قيم هدامة قياسا على التمييز بين الضرر والمنفعة وفق منطق قيم الأصالة. بينما توظيف مظاهر وشكليات حياة الرخاء والبذخ للاستدلال على التفوق على باقي المظاهر التي لا توظف مدارك العلوم المادية في الاستدلال والبرهان، والفرق يكمن في القناعات مما يوسع من دائرة الجدل والصراع بين حدود التضاد الفاصلة بين المنطقين. واستخدام مفردات النفي أو الإثبات، حيث نجد المنهجية الأصولية منسقة ومختارة يلتزم بها من اختارها وقبول النتائج المترتبة وهي غير منغلقة الأنساق، بل منفتحة على بقية الأنساق الأخرى خصوصًا المنطق الأرسطي.
ان منهجية منطق الإفساد بالتدرج في المستويات المنطقية غير الأخلاقية كلها تعتمد على العلاقة الاستدلالية في الانتقال من المستوى البرهاني إلى مستوى الحجاج الطبيعي إلى مستوى الحجاج التداولي.
وإذا تساءل أي عاقل عن الصلة بين المنطق الطبيعي بمميزاته وبين اعتباراته لعلم أصول الفقه بوصفه نتاجًا عقليا مميزا لمجالنا التداولي، فإن الجواب الأقوى يوجد في المنهجية المنطقية عند تصورها للاستدلال الطبيعي، وفي تصور المعاصرين العالقين خارج سياق الأصول، حيث أسندوا له وظيفة تفسيرية للخطاب الطبيعي، ووظيفة عملية تجنبه الحياد.. إلى جانب نظرية اعتراضية متكاملة تبرز حركيته وجدليته.
إن إعادة تجديد العلاقة بين المنطق والأصول يحتاج إلى علماء دائمي الحضور والاعتبار في جل الدراسات خصوصًا في الجانب الأصولي أو العقلي، واستعمال اللغة المتينة في بيان البنية المعرفية كما استعملها الشافعي تشريعًا للعقل العربي كما هو واضع قواعد منهج هذا العقل وعلى هديه وضع ديكارت قواعد منهج العقلانية الفرنسية خاصة والعقلانية الأوروبية عامة. وأن علم الأصول عند الرازي هو بمثابة علم المنطق عند أرسطو، وأن الخصائص المنطقية للتراث الإسلامي منها ما هو عام ومنها خاص، وأن الباحث المعاصر يجب أن يساير وسائل البحث العلمي خصوصًا في المنطق، وذلك من أجل تجديد الخطاب بتحصيل كل أسباب المعرفة المتوفرة حديثا، كما يجب الا يستمر في السكوت تاركا قيم المجتمع تتعرض للهجوم بدون ترافع قادر على التمييز الحريات الفردية والهوية الاجتماعية المشتركة ومنها خصوصية الأسرة النووية المغربية.

و في وطننا علماء الدين والفكر وفلاسفة عقلانيين ومناطقة وباحثين شباب، ويجب عليهم اتباع منهج الاحتكام إلى الشروط العشرة لإعمال المنطق في الحوار بين العارفين ودعاة المعرفة او الراغبين في تعلم منطق الحوار والتمييز بين الصواب والخطأ في ما يعرض على الجمهور من توجيهات وإرشادات ونصائح خارجة عن منظومة القيم التي تتعارض نتائج اتباعها مع القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية، ذلك ان العودة إلى الجاهلية الاولى بالاعتماد على الفلاسفة الانقلابين على أعقابهم، او إحياء الجاهلية بجلباب الحداثة بهدف تخطي الأخلاق التي تعزز الرقابة الذاتية والاجتماعية بشكل تلقائي والتعارض مع ديننا الحنيف وضرب المجتمع من الاسفل في ظل وجود واقع ينزف عقلا وغلب عليه منطق الرغبات المادية والجمالية وتحول إلى وسيلة استغلال الاستيلابيين. ولا ينبغي السماح للمتكلمين المعاصرين أن يقودوا المجتمع نحو الهاوية او يؤثروا فيه، بل يحب على العلماء توجيه الحوار بمنطق العقل والأخلاق واعادة انتاج قيم الحياة الدينية الإسلامية عن طريق علماء بلادنا المعتدلين ولن يكون هناك متكلم اصدق من كلام الله.

الدكتور احمد درداري/ رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات

مشاركة المقالة
اترك تعليقاً