بقلم :حسن السريفي
فـي مدينتي وزان كل بيوت الحي كانت بيتي، لم أدرك معنى الأسوار التي تفصلها إلا بعد سنين طويلة..إلى اليوم نفس الإحساس ينتابني كلما عاد بي الفكر إلى ذاك الزمن : باب دارنا هو مدخل الحي، حتى وقت النوم، مرقدي أينما غفت عيني، في دارنا أو في دار الجيران لا فرق .. بيني و بين ابناء الجيران لا فرق، كل النساء خالاتي، و كل الرجال أعمامي.
في مدينتي وزان ، للعيد طعم مختلف، استيقظ باكرا اقف في راس الدرب انا وأبناء الحي ، ثم نمضي بقية اليوم في سينما شهرزاد أو سينما المدينة ، فرحين بالهدية التي نلناها من الجميع.
في مدينتي وزان ، لم يكن صيفنا شاطئا و لا مصايف، فقط أمسيات سمر جميلة.. هناك أمام باب “خالتي خدوج” اجتمعت النسوة تتحدثن و تتسامرن، و هنا أمام بيتنا نحن الأطفال نشكل حلقة كبيرة مفترشين الأرض
نلعب”الورق” و ننفذ الأحكام بفرح و بهجة، لا يتذمر أحد، و لا يمر سكير أو عربيد يفسد علينا جونا، نبقى كذلك حتى ساعات الصبح الأولى. و في أحايين كثيرة نشكل مجموعتين فنلعب “الكنز” “بوليس و شفارة” أو “كاش كاش (غميض البيض)” و صباح كل أحد، مقابلات كرة القدم بين الأحياء في بسوالف أو في الواطية ديال الشبوك.
في مدينتي وزان ، يوم “عاشوراء” لا يمر صامتا، ما بين “شعالة” ، أغاني المناسبة، لحظات لا تنسى. كبارا كنا و صغارا نلعب و نمرح. أباؤنا و أمهاتنا بدورهم كان يروقهم الشغب ذاك اليوم فيستفيدون من حصتهم فيه بكل عفوية .. أتذكر بابتسامة كبيرة ، والدي رحمة الله عليه يوم أخرج خرطوم ماء بعد أن تعب من ملأ الأوعية، فلم يسلم منه غاد و لا جاء.
في مدينتي الصغيرة، “الجورة(الجوار)” خط أحمر و أمر مقدس.. إن اختلفت مع أحد أبناء الحي أو تشاجرت معه لا تفكر في التذمر و لا في الشكوى، لأنك في نظر والدتك ستكون المخطئ في كل الأحوال، ليس ظلما أو قهرا، و لكن لأن الحادث أمر عارض من المستحيل أن يتحول إلى شجار بين الجيران
في مدينتي وزان ، زفاف أحدهم أو إحداهن مناسبة تستنفر الجميع بدون استثناء .. كل النساء تحضرن الحلوى و المأكل .. المدعوون كثر؟؟ لا يهم، المضايف كلها تفتح، الرجال في بيت فلان، و النساء في بيت علان .. و أما الأفرشة و الأواني، فإلى اليوم لا نعرف من يملك ماذا، و حتى مصاريف الفرح الجيران لهم فيها نصيب.
في مدينتي وزان ، إن غاب والداك أو سافرا لأمر طارئ لا تقلق أبدا، مأكلك و مشربك يصلاك محمولان على طبق .. إن احتجت شيئا يصلك قبل أن تفكر فيه، و إن مرت بك ضائقة لا تقنط، ستجد أناسا طيبين حولك و من خلفك يساندونك و يدعمونك حتى تتجاوز الأمر
اليوم و أنا أتذكر مدينتي وزان و سكانها تختلط بسماتي بدموع شوق لأيام مضت .. أيام الطفولة و الفرح العذري، حيث كان الحب بين الناس عفويا لا يقبل القسمة و لا يتأثر بمقادير الزمن مهما كانت قاسية ..
هذا كان في الزمن الجميل الماضي اما اليوم فوزان منظرها يبكي الحجر الفوضى في كل مكان لماذا صارت هكذا ومن المسؤول،،، السؤال واضح تركنا مكارم الأخلاق .؟؟؟؟
زمن الصبا في مدينتي وزان

اترك تعليقاً
اترك تعليقاً