بقلم محمد التهامي القادري
وزان، مدينة العلم والتصوف والتاريخ والمآثر والفن والحضارة والطبيعة الخلابة وكل المقومات التي كان من المفروض أن تجعلها في مصاف المدن الرائدة، تقف اليوم عند حافة الغياب، تحاصرها اللامبالاة، ويتربص بها النسيان.
تُرى، أهو قَدرها أن تُترك على هامش التنمية، كأنها إرث مهمل، أم أن هناك جذوة من مجدها القديم لا تزال قادرة على إشعال النهضة؟ … متى تتحول من مدينة تتباكى على أمجادها إلى مدينة تصنع مستقبلها؟ … ما جدوى أن تسطَّر صفحات التاريخ بمآثر العلماء، إذا كانت صفحات الحاضر سوداء بالخواء؟ … وما نفع المهرجانات والملتقيات وكل الفعاليات، إذا كانت الأبواب موصدة، والناس يهربون منها كما يُهرب من سفينة تغرق؟…
وزان اليوم ليست ضحية الطبيعة، ولا سجينة الجغرافيا، بل هي ضحية سياسات عرجاء، والتي لا تتقن سوى دفن المدن وهي على قيد الحياة. كم مرة سمعنا عن “مشاريع كبرى سترى النور في وزان”؟ … كم من خطة تنموية وُضعت، ثم طُويت، ثم نُسيت، وكأن المدينة ليست سوى وهم في جغرافيا النسيان؟ … وكم من وعود زائفة زُخرفت بحروف ذهبية، ثم تبخرت مع أول رياح الواقع؟ … يقول الفيلسوف ألبير كامو: «أسوأ أنواع الأكاذيب هي تلك التي تُقال بوجوه مبتسمة”. مدينة تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم، شوارعها تُعاني، اقتصادها يحتضر، أبناؤها يتوزعون بين المنافي الداخلية والخارجية، والمسؤولون لا يملكون سوى معجم التبريرات الجاهزة: الميزانية شحيحة، الأولويات تتغير، والمدينة تحتاج إلى وقت، إلخ…. لكن، كم يلزم وزان من “وقت” كي تستعيد حقها في الحياة؟ … وكم من أجيال ستمرّ قبل أن تتحول “الأحلام المؤجلة” إلى واقعٍ ملموس؟ … في كل مرة يُطرح سؤال وزان، تتعالى الأصوات المطمئنة، وتنطلق البيانات المتفائلة، وتُنسج القصائد العصماء عن “المستقبل الواعد”. لكن الحقيقة أن وزان ليست على قائمة الاهتمامات، ولا ضمن أولويات المشاريع، ولا حتى في خلفية المشهد. إنها مدينة يُتذكر اسمها عند الضرورة، ثم تُترك لمصيرها بعد أن ينفض الساسة أيديهم من أي التزام تجاهها. ونحن في وزان لا نطلب جسورا فوق السراب، بل نطلب أن تعاد المدينة إلى الحياة، أن تتوقف سياسة الإهمال، وأن يعاد إليها بعض مما سلب منها من فرص ومن كرامة.
ما تحتاجه وزان لتنهض، رؤيةٌ جريئة، إرادة صادقة، وقيادة تفهم أن المدينة ليست مجرد جغرافيا، بل كيان له حق في البقاء. إن التاريخ لا يجامل أحدا، وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه كل مسؤول تهاون في حقها، وسيسأل أهلها: لماذا تركت مدينتهم تنزف حتى جفت عروقها؟ … لماذا حُكم عليها بالتيه في صحراء النسيان؟ … ومتى يعلم أهل وزان أنهم يساقون في كل موسم انتخابي إلى سوق الأكاذيب؟…